الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الرأي الحر: هكذا تصدّى الجيش الجزائري للإرهاب

نشر في  23 جويلية 2014  (10:23)

بقلم: محمد المنصف بن مراد


زارني سنة 2009 اعلامي جزائري كبير بعد أن أصبحنا صديقين، فكانت فرصة لنخوض بعمق في السياسة التي توخّتها الحكومة والجيش الجزائري لكسر شوكة الارهاب.. وفي ما يلي أهمّ الأفكار التي أتذكّرها...
فقد أكّد صديقي الإعلامي انّ نجاح الجزائر في  هزم الارهاب يعود أساسا الى العزيمة الفولاذيّة التي تسلّحت بها الحكومة، وهكذا فكلّما غابت العزيمة والتخطيط والتنفيذ، فشل أيّ مشروع من هذا القبيل..
كما ذكر لي زميلي أنّ الحياد المطلق لوزارة الداخلية وإقصاء المشبوه فيهم والمنتمين للأحزاب أو المتعاطفين مع الارهابيين منها، هو شرط أساسي لبلوغ الهدف المنشود... فلا يمكن لأيّ وزارة داخلية ان تتصدّى للارهاب وتنتصر عليه طالما أنّ بعض ضباطها وأعوانها يتسامحون مع الاجرام ويخدمون حزبا أو جماعات ارهابيّة.. انّ اختراق المؤسّسة الأمنية من قبل حزب يمثّل خطرا كبيرا على الأمن الوطني خاصّة إذا لم تكن للوزير خبرة بشؤون الأمن ويتعرّض لضغوطات ويواصل الحفاظ على «كوادر» مشكوك في نزاهتها...
أمّا وزارة الدّفاع الجزائريّة فقد أقصت كل الضباط وكل جندي له ماض انقلابي أو منتم الى حزب.. كما أبعدت عن كلّ مواقع القرار كلّ من شملهم عفو لأنّ تخريب المؤسّسة العسكريّة وضعف مردودها قد تسبّبه الميولات السياسيّة للبعض،  وبالتالي فانّ إقصاء كل الضباط والجنود الموالين من مراكز الاستعلامات والقرار والتنفيذ أمر ضروري ومصيري... وذكر  لي صديقي أيضا انّ الجيش الجزائري تحسّن مردوده بمرور الزمن  وخاصّة بعد أن صدرت أوامر تقضي بمنع ممارسة أيّ نشاط الاّ بعد اتخاذ الاحتياطات الأمنية الضّرورية،  فـ50 ٪ بإمكانهم تناول طعام الغداء ـ مثلا ـ في حين يكون الـ50 ٪ الآخرون من المجموعة في حالة يقظة واستعداد للتصدّي لأيّ اعتداء محتمل.. كما اتخذت عدّة اجراءات تنظيميّة  وقدمت نظارات ليلية للجنود المرابطين في الجبال ومروحيات وتجهيزات الكترونيّة.. ومن حرب مقاومة قرر الجيش المرور الى حرب هجومية استباقيّة..
وتجدر الإشارة الى انّه لا يمكن لأيّ جيش في العالم ان يخوض حربا ضد الارهاب وقد وقع لجمه.. كما أكّد لي صديقي الجزائري أنّ القرارات  لم يتدخّل فيها وزير أو رئيس للجمهورية وكلاهما لا خبرة له بمقاومة هذه الآفة، وهمّه الوحيد هو الظهور على شاشة التلفزيون أو تغذية نرجيسته المفرطة أو تلميع صورته الانتخابيّة..
وعلى صعيد آخر قررت الحكومة محاربة التهريب لأنّ الأسلحة والارهابيين متحالفون مع مافيا التهريب وتمرير المقاتلين... فقد جرمت التهريب وقبضت على كبار المهربين ومنحت حوالي 25 ٪ من قيمة المحجوز لرجال الأمن والديوانة والدرك (الحرس) الذين يسمحون في أغلبهم لكل البضائع والأسلحة الخفية بدخول تراب البلاد مقابل عمولة.. فلا يمكن مقاومة الارهاب ما دامت الحدود مثل «الغربال» وما دام أغلب من يحرسها يتعامل بالرشوة ويسمح للمافيا بتسريب كلّ ما تريد، وفي الأثناء يسقط الجنود ورجال الحرس في الجبال دفاعا عن وطنهم.. فهناك حراسة مفقودة على المسالك وهناك رجال جيش ودرك (حرس) يقدمون حياتهم فداء لوطنهم وشعبهم.. وهكذا يتحتّم القضاء التام على المهربين المرتبطة مصالحهم ببعض الأحزاب القريبة من الارهاب، علما انّ الجزائر لم تسمح لأيّ مدير للدرك (الحرس) بأن يكون ذا ميولات مشبوهة أو مواليا لحزب متشدّد.. إنّ مثل هذه الميوعة أدّت إلى سقوط أبطال من الجنود والأمن!
أمّا على الصعيد الاستعلاماتي فقد أسّست الجزائر منظومة وطنية موحدة تهتم بجمع المعلومات وتمريرها بسرعة،  لا مكان فيها لأيّ إطار له سوابق سياسية أو ينتمي الى أحزاب ذات علاقة بالتطرف أو العنف.. وقد ذكر لي صديقي الإعلامي انه وقع تغيير كل «حراس الجبال» التابعين لوزارة الفلاحة والذين انتدبوا على أساس الولاء السياسي.. ثم ولدفع المواطنين الى التعاون مع وزارة الداخلية قررت الحكومة تقديم مكافأة تناهز عشرين ألف دينار لكلّ من يعلم عن مكان  الارهابيين أو يقدّم معلومات عنهم علما انّ هذا المبلغ غير مرتفع اذا تعلق الأمر بحياة جنود وحرس وأمنيين يدافعون عن الوطن..
وبالنسبة الى المساجد فقد قررت الحكومة منع كل إمام متشدّد او منتم  إلى حزب من النشاط داخل المساجد بعد أن اصبحت بؤرا لتغذية الارهاب وتسفير الشّباب والدّفاع عن الأحزاب المتشدّدة ولو ان بعض النواب المتشدّدين ذوي المواقف الغريبة طالبوا بعدم غلق المساجد التي يسيطر عليها الارهابيون وأصدقاؤهم بتعلة دستورية لا يقبلها العقل والمنطق..
وقد واصلت الحكومة الجزائرية حربها على الارهاب بمنع كل المنظمات والجمعيات «الخيرية» التي تمول من الداخل وخاصّة من الخارج وتخون البلاد بمساندة الارهاب وتسفير الشباب للخارج وتمويل أحزاب متشدّدة حتى تشتري أصوات النّاخبين، كما ان هذه الجمعيات تمول مدارس دينية متطرفة خاصة تدرّب التلاميذ على أن يهزجوا «يحيا بن لادن» وتعلّمهم أصول الجهاد، كما أغلقت كلّ التلفزات والإذاعات المتشدّدة! وأمّا على مستوى القضاء، فقد تمّ إبعاد كلّ القضاة الذين يتعاملون بتسامح مفرط مع الإرهابيين.
وفي سياق آخر ذكر صديقي الجزائري انّ الحكومة اتخذت قرارات  مصاحبة  des mesures d'accompagnement وبعثت مواطن شغل عديدة في الجهات المهدّدة بالارهاب وشجعت المستثمرين  الصغار والمتوسّطين في هذه الولايات وجلبت الفنانين وأقامت حفلات وحسنت الطرقات وطوّرت الخدمات الصحية بصفة ملحوظة واهتمّت كذلك بالتطهير وكثفت الحملات الخيرية لفائدة الفقراء واهتمّت بإمداد القرى النائية والمعزولة بالماء الصالح للشراب.
وفي الختام أكّد لي صديقي انّ الحرب ضد الارهاب تتطلّب وحدة وطنية غير مزيّفة لا يساهم فيها من له مشاريع دينيّة متشدّدة أو علاقات مع الارهابيين أو طموحات سياسيّة أو صلات مسترابة مع الميلييشات والمتطرّفين.
واعتقادي راسخ انّ جيشنا وأمننا وحرسنا في تونس قادرون على خوض حرب استباقية على الارهاب وانقاذ تونس شريطة ان يقع اقصاء كل المشبه فيهم انطلاقا من انتماءاتهم السياسيّة المتشدّدة.. فلا حزب يعلو على تونس التي تنتظر من أبنائها أن يتجنّدوا ـ مهما كانت مواقعهم ـ للذود عنها ودرء الأخطار المحدقة بها...